هنـــا كانـــــوا ...

[size=16][size=16]هنـــا كانـــــوا ...

أذكر اني ولدت قبل انتفاضة .. وحصارين وحرب ...
أذكر انه في مكان ما هنا على هذه الأرض كان لي بيت وشجرة توت أبت الا أن تشق ساحته المسيّجة بسور من الطوب ولم ُيدهن او تلمسه فرشاة ألوان بعد .. واذكر اني سألت امي ذات يومٍ من زرع هذه الشجرة هنا ؟ فأجابتني ان بذرة سقطت من حوصلة طير , وانبتت هذه الشجره لأن الطير كان يعرف بأننا سنُرزق بك .. وهذه هدية منه لك ..
أذكر أنّ حبل غسيل كان يمتد ما بين باب البيت وهذه الشجرة وحين كنت اريد أن أخرج الى الحارة لألعب مع الرفاق كانت امي تفكّ حبل الغسيل وتحوله الى ارجوحة تضعني عليها وتحضر لي خبزة ملفوفة بالزيت والزعتر وتقول لي : ( عملت لك عروسة زعتر .. اذا بتاكلها بخليك تطلع تلعب مع العيال .. )
كانت العروسة اكبر من حجم معدتي وكنت اعمل جاهداً ان انهيها ولكن, معظم الوقت كنت انام على المرجوحة قبل أن انهي عروستي فتحملني بعدها امي الى الداخل وتضعني في فراشي لأنام .
ذكريات كثيرة في داخلي وفي عمق عقلي الصغير الذي كبر فجأة ليتجاوز حجم جمجمة رأسي .. حين صحوت يوما ووجدتني عاريا من بيتي من أمي وأهلي وناسي .. عاريا من شجرة التوت التي كانت تظلنا وتظلّ البيت وما حوله.
كانوا هنا قبل أن أنام .. أذكر أن امي كانت قد وضعت ابريق الشاي وكانت تذهب للمطبخ وتعود لتحضر العشاء .. كنت افتعل النوم لكي لا تجبرني على الأكل .. ولكني كم تمنيت لو صبّت لي كوباً من الشاي .. لا أدري كيف غفوت ولا متى ؟؟!! ومتى صحوت من غفوتي .. ربما لم استطع أن اتنفس التراب أكثر فصحوت..
لا لم اصحوا بإرادتي .. هناك من انتشلني من وسط الركام .. هناك من انتشل امي ,, أبي وأخوتي ..
وانا !!
أحمد .. سميره .. هناء .. جدتي .. ابي .. ناديت بصوت اشبه بصوت الرحيل .. خافت وحزين ,, الكل صامت .. لا أحد يجيبني ..
لماذا ينامون هنا متلاصقين جنباً إلى جنبٍ فوق التراب ..؟؟ ومن غطاهم بهذا الغطاء ؟؟ واين سيذهبون بعيداً عني ؟؟
تسللت إلى جوار أبي ونمت في حضنه .. فوق يده التي أحسستها ألين وسادة اُلقي عليها رأسي ..
ونمت ..نمت وأنا اتحسس مصروفي الذي اعطاني اياه والدي لأشتري به من دكانة ابو العبد قليلا من الحلوى نسميها كعيكبان ..

لم يبق هناك بيت ولا حارة ولا شجرة توت ولا أهل .. ولا دكانة ابو العبد .. حتى الطير ما عاد !!
كلهم كانوا يوماً هنا وأخذهم مني القصف .. وقنابل الحرب.

[/size]
[/size]